أدلّة أهل السنة على خلافة أبي بكر والمناقشة فيها
أدلّة أهل السنة على خلافة أبي بكر
عدم وجود نص على خلافة أبي بكر
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قيل لعمر: ألا تستخلف ؟ فقال : إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني : أبوبكر, وإنأترك فقد ترك من هو خير مني : رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأثنوا عليه.صحيح البخاري : 4/2256, ح7218, كتاب الاحكام, باب الاستخلاف51, صحيح مسلم: 3/1454, ح1823, كتاب الإماره, باب الاستخلاف وتركه.
قال النووي : وفي هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لمينص على خليفة, وهو إجماع أهل السنة وغيرهم. صحيح مسلم بشرح النووي : 12/25.
وقال ابن كثير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينص على الخلافةعينا لأحد من الناس, لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنه, ولالعلي كما يقوله طائفة من الرافضة. البداية والنهاية :5 /219.
وقال الإيجي :. .. أما النص فلم يوجد لما سيأتي. المواقف : 8/4.
وهكذا قال عبد القاهر البغدادي : الفرق بين الفرق : 349, وأبو حامد الغزالي : قواعد العقائد : 226.
الاستدلال بالكتاب
قوله تعالى : (وسيجنبها الاتقى الذي يؤتى ماله يتزكى) قال أكثرالمفسرين أنها نزلت في أبي بكر فهو أتقى ومن هو أتقى فهو أكرم عند اللهلقوله تعالى : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
كما روى الطبري بإسناده عن عامر بن عبد الله عن أبيه, قال : نزلت هذهالآية في أبي بكر الصديق : وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربهالاعلى ولسوف يرضى. وروى أيضا عن قتادة, في قوله : وما لأحد عنده من نعمةتجزى قال : نزلت في أبي بكر, أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا, ستةأو سبعة, منهم بلال, وعامر بن فهيره. جامع البيان : 3/287.
الاستدلال بالسنة
1- قول رسول الله (ص) : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. مسند أحمد : 5/382, سنن الترمذي : 5/572, المستدرك : 3/75.
قال الجرجاني : عمّم الأمر بالاقتداء فيدخل في الخطاب علي وهو يشعربالافضلية ؛ إذ لا يؤمر الأفضل ولا المساوي بالإقتداء سيما عندهم. (إذ لايجوّزون إمامة المفضول أصلا كما سيأتي). شرح المواقف للقاضي الجرجاني :8/366.
2- تقديمه في الصلاة مع أنها أفضل العبادات وقوله : ((يأبى الله ورسوله إلا أبابكر)) وفي معناه ((يأبى الله والمسلمون إلا أبابكر)).
وذلك أن بلالا أذّن بالصلاة في أيام مرضه فقال النبي عليه السلام لعبدالله بن زمعة أخرج وقل لأبي بكر يصلّ بالناس, فخرج فلم يجد على الباب إلاعمر في جماعة ليس فيهم أبوبكر فقال : يا عمر صلّ بالناس ! فلمّا كبّر وكانرجلا صيتا وسمع عليه السلام صوته قال ذلك ثلاث مرات. شرح المواقف للقاضيالجرجاني : 8/366.
الاستدلال بالإجماع
قال السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني الحنفي المتوفى سنة 816 :المقصد الرابع : في الإمام الحق بعد رسول الله, هو عندنا أبوبكر, وعندالشيعة علي, لنا وجهان - أي دليلان - الأول : إن طريقه - طريق الإمام -وتعيين الإمام إما النص أو الاجماع, أما النص فلم يوجد, وأما الإجماع فلميوجد على غير أبي بكر اتفاقا من الأمة, الإجماع منعقد على أحقية إمامة أحدالثلاثه : أبي بكر وعلي والعباس ثم إنهما لم ينازعا أبابكر, ولو لم يكنعلى الحق لنازعاه ؛ إذن يتمّ الدليل على إمامة أبي بكر عن طريق الإجماع.شرح المواقف : 8/354.
قال التفتازاني المتوفى سنة 791 : في طريق ثبوت الإمامه : إن الطريقإما النص و إما الإختيار, والنص منتف في حق أبي بكر, مع كونه إمامابالإجماع. شرح المقاصد : 5/255.
نقض الأدلة على إمامة أبي بكر
الكتاب
الاستدلال بقوله تعالى : (وسيجنبها الاتقى الذي يؤتى ماله يتزكى) على إمامة أبي بكر باطل بأمور :
1- إن السورة نزلت في قصة أبي الدحداح وصاحب النخلة كما في تفسيرالقرطبي : إن السورة نزلت في أبي الدحداح, قال عطاء : كان لرجل من الأنصارنخلة, يسقط من بلحها في دار جار له, فيتناول صبيانه, فشكى ذلك إلى النبيصلى الله عليه وسلم, وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (تبيعها بنخلة فيالجنة ؟) فأبى, فخرج فلقيه أبوالدحداح : هل لك أن تبيعنيها بـ (حسنى حائطله) ؟ فقال : هي لك. فأتى أبو الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله, إشترها مني بنخلة في الجنة. قال : (نعم, والذي نفسي بيده)فقال : هي لك يا رسول الله, فدعى النبي صلى الله عليه وسلم جار الأنصاريفقال : خذها فنزلت (والليل إذا يغشى) إلى آخر السورة في بستان أبي الدحداحوصاحب النخلة. ((فأما من أعطى واتقى)) يعني أبا الدحداح. ((وصدق بالحسنى))أي بالثواب. ((فسنيسره لليسرى)) يعني الجنة. ((وأما من بخل واستغنى)) يعنيالانصاري. ((وكذب بالحسنى)) أي بالثواب. ((فسنيسره للعسرى)), يعني جهنم... ((وسيجنبها الاتقى)) يعني ابا الدحداح. ((الذي يؤتى ماله يتزكى)) فيثمن تلك النخلة. .. والأكثر أن السورة نزلت في أبي بكر رضي الله عنه.تفسير القرطبي : 2/9, الدر المنثور : 6/357.
2- إن الرواية التي تدل على نزولها في أبي بكر ضعيفة سندا ؛ كما قالالهيثمي في مجمع الزوائد : في سنده مصعب بن ثابت, وفيه ضعف. مجمع الزوائد: 9/ 5. ونقل العقيلي عن أحمد بن حنبل أنه ضعيف الحديث. ضعفاء العقيلي : 4/196.وقال ابن حبان : منكر الحديث, ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير, فلمّا كثرذلك منه استحق مجانبة حديثه. كتاب المجروحين : 3/29. نقل ابن حجر عن ابنمعين : أنه ضعيف, وعن النسائي : أنه ليس بالقوي في الحديث. تهذيب التهذيب: 1/144.
3- إنكار عائشة على نزول آية فيهم حيث قالت : (لم ينزل الله فينا شيئا من القرآن). البخاري : 6/42 (ط.دار الفكر)
2- السنة
حديث الاقتداء بأبي بكر وعمر
1- أما الاستدلال بحديث : (اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر), فغير صحيح بأمور :
الأول : ضعف سند الرواية :
قال الترمذي : هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود. صحيحالترمذي : 5/336, فضائل عبد الله بن مسعود. وحكم العقيلي بأنه منكر لاأًصل له. كتاب الضعفاء الكبير : 4/95. وقال الذهبي نقلا عن أبي بكر النقاش: وهذا الحديث واه. ميزان الاعتدال : 1/142. وقال ابن حجر : وقالالدارقطني : وهذا الحديث لا يثبت. لسان الميزان : 5/237.
قال ابن حزم الاندلسي : ولو أننا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفربه خصومنا طاروا به فرحا أو أبلسوا أسفا لاحتججنا بما روي : (اقتدوابالذين من بعدي أبي بكر وعمر), ولكنه لم يصحّ ويعيذنا الله بالاحتجاج بمالا يصح. الفصل في الملل والنحل : 4/88.
قال الذهبي : حديث : (اقتدوا باللذين من بعدي) وهذا غلط, وأحمد لا يعتمد عليه. ميزان الاعتدال : 1/15رقم 411, لسان الميزان : 1/188 رقم 597.
وقال في ترجمة أحمد بن محمد الغالبي : ومن مصائبه, قال : حدثنا محمدبن عبيد الله العمري, حدثنا مالك, عن نافع, عن ابن عمر, قال : قال رسولالله صلى الله عليه وسلم : (اقتدوا بالذين من بعدي, أبي بكر وعمر). فهذاملصق بمالك. وقال أبوبكر النقاش : وهو واه. ميزان الاعتدال : 1/142 رقم557, لسان الميزان : 1/273.
قال المناوي : أعلّه أبو حاتم, وقال البزّار كابن حزم لا يصح ؛ لأنعبد الله لم يسمعه من ربعي, وربعي لم يسمعه من حذيفه. فيض القدير شرحالجامع الصغير : 2/72.
2- مخالفة الصحابة الشيخين كما في صحيح البخاري عن عمر : (أن الأنصارخالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومنمعهما. .. ونزونا على سعد بن عباده فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادةفقلت قتل الله سعد بن عبادة ). صحيح البخاري : 8/27, باب الاعتراف بالزنا.
3- مخالفة عمر مع أبا بكر في موارد.
فمنها تفل عمر في قرارات أبي بكر :
جاء عيينه بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر, فقالا : يا خليفة رسولالله صلى الله عليه وسلم إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلاء ولا منفعة فإنرأيت أن تعطيناها لعلّنا نحرثها ونزرعها ولعلّ الله ينفع بها. فأقطعهاإياهم, وكتب لهما بذلك كتابا وأشهد لهما فانطلقا إلى عمر ليشهدا على مافيه, فلمّا قرءا على عمر ما في الكتاب تناوله من أيديهما فتفل فيه فمحاهفتذمرا وقالا له مقالة سيئه. الدر المنثور : 3/252.
4- شق عمر كتاب فاطمة (س)
قال الحلبي : في كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله, أنه رضي الله عنه كتبلها بفدك ودخل عليه عمر رضي الله عنه فقال : ما هذا فقال : كتاب كتبتهلفاطمة بميراثها من أبيها, فقال : ماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتكالعرب كما ترى, ثم أخذ عمر الكتاب فشقّه. السيرة الحلبيه : 3/362, ط.دارإحياء التراث العربي-بيروت.
5- قول صحابة لأبي بكر أأنت خليفة أم عمر ؟
قال ابن عبد ربه : وكان على أمره كله وعلى القضاء عمر بن الخطاب. بلخالفه في غير واحد من القضايا, فلم يجترئ أبوبكر أن يدافع عن نفسه ويردّحكم عمر, فلمّا قيل له : أنت الخليفة أم عمر ؟! أجاب : بل عمر, ولكنّه أبى!! وفي رواية : بل هو إن شاء. وفي أخرى : بل هو لو شاء كان. وفي غيرها :الأمير عمر غير أن الطاعة لي !! أو : أنا لا نجيز إلا ما أجازه عمر. جامعالاحاديث : 13/6, 153, كنز العمال : 1/315, 3/914, 12/546, 582-583, 13/175, 273.
تقديم أبي بكر في الصلاة
2- اما قولهم تقديمه في الصلاة مع أنها أفضل العبادات وقوله (يأبىالله ورسوله إلا ابابكر) وفي معناه (يأبى الله والمسلمون الا ابابكر).
1- فيردّه ما ورد في الصحاح أن النبي (ص) قال في مرض موته : (هلم أكتبلكم كتابا لا تضلوا بعده ! فقال عمر : إن النبي (ص) قد غلب عليه الوجع,وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) صحيح البخاري, 7/9, كتاب المرضى باب قولالمريض قوموا عني.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال : (يوم الخميس وما يوم الخميس. ..فقالوا : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهجر). صحيح مسلم : 5/76كتاب الوصية باب ترك الوصيه لمن ليس عنده شيء, صحيح البخاري : 4/31, كتابالجهاد والسير.
والمثير في القضية أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو كان يهجر أويغلبه الوجع فكيف يتمسك أهل السنة لإثبات خلافة أبي بكر بقول عائشة عنه(ص) : ((مروا أبابكر فليصلّ)) صحيح البخاري : 1/162 كتاب الاذان, باب وجوبصلاة الجماعه.
2- يردّه أيضا كون كبار الصحابة وعلى رأسهم أبوبكر وعمر في جيش أسامة,كما صرّح به ابن حجر العسقلاني ردّا على إنكاره ابن تيميه : لم يبق أحد منالمهاجرين الاولين إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبوبكر وعمر. فتح الباري: 8/115.
ولمّا جهّزه أبوبكر بعد أن استخلف, سأله ابوبكر أن يأذن لعمر بالاقامةفأذّن, ذكر ذلك ابن الجوزي في المنتظم جازما به. فتح الباري : 8/116.
والمفارقة هنا : كيف يأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخروج أبيبكر في بعث أسامة وفي نفس الوقت يأمر أبابكر بالصلاة في الناس مكانه ؟
قال ابن أبي الحديد : سألت الشيخ (أي أستاذه) أفتقول أنت أن عائشةعيّنت أباها للصلاة ورسول الله لم يعيّنه ؟ فقال : أما أنا فلا أقول ذلك,لكن عليّا كان يقوله, وتكليفي غير تكليفه, كان حاضرا ولم أكن حاضرا. شرحنهج البلاغه : 9/198.
3- الاجماع
أما استدلالهم بالاجماع فقد صرّح جمع من علماء اهل السنه بعغدم تحقٌق إجماع كما :
1- قال الماوردي الشافعي المتوفي 45هـ : قالت طائفة : لا تنعقد إلا بجمهور اهل العقد والحل من كل بلد, ليكونراضيا به عاما. والتسليم لإمامته اجماعا وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكرعلى الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها. الاحكامالسلطانيه : 33.
2- قال القرطبي : المتوفى 671 : ((فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقدفذلك ثابت, ويلزم الغير فعله, خلافا لبعض الناس, حيث قال : لا ينعقد إلابجماعة من أهل الحلّ والعقد, ودليلنا : أن عمر (رض) عقد البيعة لأبيبكر)). جامع أحكام القرآن : 1/269-272.
3- قال الغزالي المتوفى 478هـ : ((لا يشترط في عقد الامامة الاجماع,بل تنعقد وان لم تجمع الامة على عقدها, والدليل عليه : ان الامامة لماعقدت لابي بكر ابتدر لامضاء أحكام المسلمين, ولم يتأنّ لانتشار الاخبارإلى من نأى من الصحابة في الاقطار ولم ينكر منكر, فاذا لم يشترط الاجماعفي عقد الامامة, لم يثبت عدد معدود ولا حد محدود, فالوجه الحكم بأنالامامة تنعقد بعقد واحد من اهل الحل والعقد)). الارشاد في الاحكام : 422.
4- قال ابن العربي المالكي المتوفى 543 هـ : ((لا يلزم في عقد البيعةللامام ان تكون من جميع الانام, بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد)). شرحسنن الترمذي : 13/229.
5- قال امام الحرمين المتوفى 756 : ((اعلموا انه لا يشترط في عقدالامامه, الاجماع, بل تنعقد الامامة وان لم تجمع الامة على عقدها, والدليلعليه ان الامامة لما عقدت لابي بكر ابتدر لامضاء أحكام المسلمين, ولميتأنّ لانتشار الاخبار إلى من نأى من الصحابة في الأقطار, ولم ينكر منكر.فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الامامه لم يثبت عدد معدود ولا حد محدود,فالوجه الحكم بان الامامة تنعقد بعقد واحد من اهل الحل والعقد)) كتابالالهيات : 2/523. وقال أيضا : ((واذا ثبت حصول الامامة بالاختياروالبيعة, فاعلم ان ذلك لا يفتقر الى الاجماع, اذ لم يقم عليه دليل منالعقل او السمع, بل الواحد والاثنان من اهل الحل والعقد كاف, لعلمنا انالصحابة مع صلابتهم في دالين اكتفوا بذلك, كعقد عمر لابي بكر, وعقدعبدالرحمن بن عوف لعثمان)). وقال أيضا : ((ولم يشترطوا اجتماع من فيالمدينة فضلا عن اجتماع الامة. هذا ولم ينكر عليه أحد وعليه انطوت الأعصارإلى وقتنا هذا)). في علم الكلام : 8/351 ط.مصر 1325هـ