ياسر عرفات ... وذكرى الرحيل المرير
في تلك اللحظات المدرجة بالدم والدمع ... المضروبة بالأعاصير والأنواء النازفة كجرحٍ مفتوح في تلك اللحظات ... عرفت الوجه الآخر لياسر عرفات ...
كلكم يعرف ياسر عرفات مناضلاً وثائراً ... وقائداً تاريخياً للثورة الفلسطينية ... ولكنكم لا تعرفون ياسر عرفات حين يتحول إلى غمامة ماء ... وجدول حنان ... ومنارة رحمة
ياسر عرفات عندما يخلع كوفيته وعقاله .. ويترك غرفة العمليات والتقارير والخرائط وأخبار عصر الانحطاط العربي ... ليمارس طفولته كأنقى ما تكون الطفولة ... ويمارس أبوته كأعظم ما تكون الأبوة.
كنت أتمنى أن يتوقف العالم عندما رحل شمس الشهداء أبو عمار .... حتى لا يعود ذاك اليوم المشئوم الذي ودعت فيه فلسطين أحد القادة الذين ساهموا بصدق في رسم ملامح الدولة وتثبيت الهوية عندما عصفت بقضيتنا المؤامرات وحيكت سيناريوهات التصفية .... مع أنني على يقين أنها أمنية بعيدة المنال ... عاد التاريخ من جديد ووجدنا أنفسنا أمام المصاب الجلل من جديد ... ووجدنا أنفسنا أكثر تعلقاً بياسر عرفات ... وأكثر حاجة لذلك الرجل الذي صان القضية وتشبث بالثوابت .
هو الجنرال ياسر عرفات ... قائد الحرب وقائد السلام .... هو ذالك الرجل الذي وقف في الأمم المتحدة وقفة عزٍ وشرف ... وقال بملء الفيه ... جئتكم وأنا أحمل غصن الزيتون في يدي وبندقية الثائر في اليد الأخرى ... فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي ... هو الجمع الجميل بين البندقية وغصن الزيتون ... عندما تحمي البندقية السلام ... إنه مدرسة نضالية فريدة لا أبالغ مطلقاً عندما أقول أنها من الصعب أن تتكرر.
سيدي صاحب الذكرى ...
نحن لا نعترض على سنة الله في خلقه ولا نملك ذلك ... ولكننا نجزم أن رحيلك كان سريعاً وأن الحلم لم يتحقق بعد !!! كنت تهتف فينا في كل المحافل ' لن يكتمل حلمي إلا بك يا قدس' وكانت كامب ديفد الملحمة الأكثر شاهداً على صدق الطرح .. واليوم تبكيك القدس وهي تتعرض لأشرس هجمة شهدتها المدينة على مر تاريخها ...
كنت في أحلك الظروف تزرع فينا الأمل ... وتقول أنك لازلت ترى النور في نهاية النفق ... فغبت عنا وأفل النور يا سيدي ...
كثيراً ما أكدت على الوحدة الوطنية وكنت ترى فيها أنها الصخرة التي تتحطم عليها كل المؤامرات ... رحلت وإذا بنا ننقسم على أنفسنا وندخل والقضية برمتها في ظلامٍ سحيق.
ناضلت كثيراً من أجل حرية الأسرى ... كانت قضيتهم هي القضية الأكثر حضوراً ... فتعالت أناتهم يوم رحلت ... تماماً كما يغيب الأب الحاني عن أبنائه.
عادت الذكرى يا سيدي وكأن اليوم هو يوم الرحيل ... لم تكن السنون كفيلة أن تنسينا هذا العملاق الثائر ... بل رسخت فينا الحب والانتماء لطرازٍ فريدٍ من الرجال ... إنه أنت ..
لم نزل نذكر لون السماء وهي تتوشح بالسواد حزناً على الرحيل ... ولم نزل نسمع نحيب الرجال ألماً على المصاب ... وما فارقت ذاكرتنا كل العيون التي بكت وأوجعها البكاء.
ااااااااااه ثم ااااااااه كنت أعتقد أنني كاتب ماهر وأن الكلمات ستسعفني وأكتب كثيراً في هذا الرجل ... ولكنها نفس الحالة ... كلمات تتقهقر وتنحني عاجزة وتعتذر لأن ما صنعه ياسر عرفات لفلسطين وللعروبة أكبر من حدود الكلمات وأعظم من كل القصائد وأسمى من كل المقالات.
سيدي أبا عمار ...
تركت فينا وصايا غالية ... عناوينها الأبرز ... القدس واللاجئين ... الأسرى والجرحى والشهداء ... نؤكد أننا سنحملها ونحفظها ونحميها ويوم النصر نأتيكم حجيجاً نقبل قبراً ضم هاتيك الرفاة.
السلام عليك يا صاحب الذكرى ... والسلام على كل الشهداء الذين سبقوك على مذبح الحرية وعهداً عهداً أن نستمر على نفس الدرب درب الوزير والياسين ... الشقاقي وأبو علي مصطفى ... أبو سمهدانة والعمارين ... وكل كل الشهداء.
لروحك الرحمة ... ومنا كل الوفاء
تحياتي
عاشقة الياسر
