المبحث الثاني
إعداد الجبهة السياسية
فالحرب الناجحة محصلة أمرين: إعداد سياسي جيد، وخطة عسكرية متقنة. ويعتمد الإعداد السياسي أول ما يعتمد على تهذيب أهداف الحرب لتكون متوافقة مع القانون الدولي العام، فهذا التوافق بين أهداف الحرب وبين القانون الدولي العام هو الأساس الذي تستند إليه الدول المحاربة حين تنادي بحقها في الحرب، كما أنه طريقها الواسع للحصول على تأييد الغالبية العظمى من دول العالم، فكما أنه لا قيمة لحق لا تحميه القوة، فإنه لا قيمة لقوة تتجه إلى غير حق، ولا يغرنا في هذا تقلب بعض الغاشمين في بعض البلاد فمثل هذا مصيره إلى زوال، إذ لو يصح إلا الصحيح ولو بعد حين.
وبعد أن تثق الدول في مشروعية أهدافها، فإنها تتجه إلى المحافل الدولية حيث تقوم بعرض قضيتها هناك، قاصدة بذلك إظهار مالها من حق، وما عليه عدوها من باطل، إذ بذلك تزداد قوتها بازدياد المؤيدين، وتنقص قوة عدوها بانصراف المشايعين.
وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل الإعداد السياسي للحرب، فيها تحفز الدولة المحاربة كل الهمم الدولية حتى تمارس الضغط المطلوب على العدو قبل وبعد المعركة معه. وبقدر ما تنجح الدولة في عرض قضيتها، وفي كسب المؤيدين لها، بقدر ما ستجني - فيما بعد - ثمارا طيبة للحرب التي ستخوضها.
ولا تكتفي- الدول في مجال الإعداد السياسي للحرب -بتلقي البركات من غالبية الدول، بل إنها تقوم بعد ذلك بتصنيف هذه الدول لتخرج من بينها الدول التي تتعدى مرحلة التأييد الرسمي إلى مرحلة التحالف. فلكل دولة حلفاؤها، سواء تدنى هؤلاء الحلفاء إلى مرحلة التأييد الشعبي والرسمي، أم ارتفعوا إلى مرحلة الاشتراك في العمليات العسكرية.
والدول الماهرة هي التي تعد هؤلاء الحلفاء بأسلوب مدروس ليكونوا سندها وعمقها حين يبدأ القتال.
وليست هناك وسيلة واحدة لإعداد كل هؤلاء المتحالفين فدول التأييد الرسمي والشعبي لابد لها من عدد كاف من الديبلوماسيين والإعلاميين المهرة الذين يعرفون طريقهم لتنمية واستثمار هذا التأييد، وأما دول العمق المكاني والتسليحي والاقتصادي، فلابد لها من لجان متخصصة تعرف كيف تسيل الماء في القنوات الجافة، وأما الحلفاء المقاتلون فيتم التنسيق معهم على أعلى مستويات التنسيق حتى نضمن لأنفسنا إيقاعا موافقا في العمليات العسكرية يخدم في نهاية الأمر هدفنا الاستراتيجي العام .