الفرع الثاني
الإعداد لحرب العصابات
تمهيد:
تحتاج حرب العصابات إلى إعداد من نوع خاص، يرجع ذلك إلى أن نقطة البدء في حرب العصابات هي مجموعة من الرجال المؤمنين بمبدأ، والذين لا يملكون من أسباب القوة إلا فيض هذا المبدأ على ذواتهم فقط. هم لهذا يبدؤون من الصفر للإعداد لحرب العصابات، يقومون بإعداد التشكيلات المسلحة، وتهيئة المناخ السكاني والطموغرافي للعمل، فضلا عن توفير الحد الأدنى اللازم من العتاد والمؤن والأسلحة والذخيرة.
ونتناول فيما يلي كيفية الإعداد لكل جانب من هذه الجوانب.
المبحث الأول
إعداد التشكيلات المسلحة
ويمر إعداد هذه التشكيلات بعدة مراحل، هي التجنيد، والانتقاء، والتوزيع، والتدريب.
ونشير فيما يلي إلى معنى كل مرحلة من هذه المراحل:
أولا : مرحلة التجنيد
وفي هذه المرحلة تقوم المجموعة الأولى من رجال العصابات (قادة الحزب السياسي القائد ) ببث دعوتها السياسية لدى أقرب الناس فكريا إليها، مستهدفة بذلك استقطابهم إلى تشكيلات العصابات. ويلي ذلك إرسال هؤلاء الأفراد المنضمين في مجموعات صغيرة إلى المناطق المجاورة لحث السكان على التطوع في حرب العصابات معتمدين في ذلك على استغلال بعض الاعتبارات لا ذكاء الروح التطوعية بين السكان. ومن أمثلة هذه الاعتبارات الاعتبار القومي في حالة ما إذا كانت الحرب ستنشب ضد عدو محتل أو آخذ في الاحتلال، واعتبار الظلم الاجتماعي وفساد جهة الإدارة إذا كانت الحرب ستنشب ضد حكومة ظالمة أو غاشمة.
والمتأمل، يرى في سلوك العصابات على النحو السابق نوعا من أنواع التآمر، ويعترف رجال العصابات بذلك، ويبررون مسلكهم بالاحتكام إلى الشعب ليقول كلمته في إسباغ الشرعية على عقيدتهم السياسية، وباعتبار أن شرعية الثورات في نجاحها وقبولها من الشعب.
ثانيا : مرحلة الانتقاء والتوزيع
وفي هذه المرحلة يتم إجراء الاختبارات اللازمة لفرز المتطوعين على أسس موضوعية، ثم توزيعهم توزيعا مناسبا لإمكانياتهم الفكرية والجثمانية والنفسية. ولا مجال في هذه المرحلة للوساطات أو العوامل الشخصية، فرجل العصابات المتطوع لا يعمل إلا في ظل الرضا التام والشعور بالاقتناع.
وتتسم توزيعات العصابات بالبساطة، فهي لا تزيد عن درجتين (قائد عسكري وقائد سياسي + مجموعة رجال في الوحدات الأولية، أو مجموعة وحدات أولية في الوحدات المركبة).
ثالثا: مرحلة التدريب
ونبدأ هذه المرحلة فور نهاية المرحلة السابقة، ولاشك أن مرحلة التدريب تعد من أصعب وأخطر مراحل الإعداد لحرب العصابات. فأما أنها أصعب، فذلك يرجع إلى افتقار العصابات التقليدي للمدربين المهرة، وأما أنها أخطر فذلك يرجع إلى صعوبة إجراء التدريبات العسكرية أو حتى شبه العسكرية دون أن يحس بها العدو النظامي ويسرع باجتثاثها والعصابات لم تزل بعد هشة.
ولا يتدرب رجال العصابات على نمط واحد، بل هم يتدربون وفقا للمهام المنتظرة ودور كل واحد منهم فيها، فهناك من يتدرب على القتال والعنف، وهناك من يتدرب على الاغتيال والتخريب، وهناك من يتدرب على معاونة القوات النظامية الصديقة إذا كان منتظرا اشتراكها في الحرب. وأخيرا فهناك من يتدرب على أعمال الإعاشة والشئون الإدارية وتوصيل المعلومات والأوامر.
المبحث الثاني
تهيئة المناخ السكاني والطبوغرافي
أولا : تهيئة المناخ السكاني
ويقصد بتهيئة المناخ السكاني هنا. تعويد القطاع العريض من السكان المحليين على التعاطف مع رجال العصابات، سواء بأدنى درجات التعاطف، وهي عدم الإبلاغ عنهم، أو بأعلى هذه الدرجات وهي تموينهم، وإخفاؤهم، وتضليل القوات المعادية عنهم.
ويتم تعويد السكان على هذا التعاطف، أولا بالعمل السياسي النشط، وثانيا بالحرص التام على السلوك المثالي في التعامل مع هؤلاء السكان، وثالثا بإنزال العقاب الصارم بالخونة من هؤلاء السكان.
ثانيا : الإعداد الطبوغرافي
ولا يعتمد رجال العصابات كثيرا في هذا المجال عل الخرائط أو أساليب الاستطلاع والمساحة التي لا قبل لهم بإمكانياتها، وإنما يعتمدون على استكفاء بعض الرجال الذين يحفظون الطرق والدروب والمسافات عن ظهر قلب. كما يعتمدون في تقدير المسافات قبل وأثناء الاشتباكات على أسلوب التقدير بالنظر..
وبالطبع فإن رجال العصابات لا يمانعون إذا ما توافرت لهم أساليب أكثر دقة من ذلك.
المبحث الثالث
توفير القدر الأولى اللازم للإعاشة والقتال
وفي هذا المجال يعتمد رجال العصابات على وسائل عدة، أهمها تخزين بعض المؤن والمعدات والأسلحة في مخازن صغيرة لا يعرفها إلا نفر قليل، ومسلحة بالإخفاء والتمويه اللازمين، فضلا عن تهيئتها لحماية المخزون من التلف والفساد.
وينتهج رجال العصابات أسلوب التقتير التام في الاستهلاك من هذا المخزون، خصوصا في المراحل الأولية، إذ لاشك أن وقتا سيمر قبل أن تعمل القنوات المحلية والخارجية على تعويضهم بالمؤن والعتاد والسلاح.