- تاريخ الغزوة :
وقعت غزوة خيبر في محرم من السنة السابعة للهجرة أي بعد شهرين من عودة
النبي صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية .
2- سبب الغزوة وأهدافها :
أ*- أصبح تجمع اليهود في خيبر بعد جلاء بني النضير إليها أكبر تجمع لليهود
وقد اجتمعت فيها أحقادهم ، وأخذوا يحرضون القبائل على المسلمين ، وكانت
لهم علاقة بغطفان كبيرة ، حتى أصبحت خيبر مصدر تشويش وفتن .
ب*- تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم بسبب صلح الحديبية لتصفية هذا الخطر
الشمالي في الجزيرة ، والذي يثير القبائل والأعراب ويحرشها على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وحتى يتفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش . فأصدر
عليه الصلاة والسلام أوامره بالمسيرة إلى خيبر ، مؤمناً أن الله تعالى
سيغنم المسلمين خيبر بما فيها من خيرات .
3- قوات الطرفين :
أ*- جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً من ألف وأربعمائة رجل ، ورفض أن
يخرج معه من أراد الغنيمة فحسب ، وكان يقول لا يخرج معنا إلا راغب في
الجهاد أما الغنيمة فلا ، وكان في الجيش مائتا فارس .
ب*- أما قوات اليهود في خيبر فكانت كثيرة ، حيث كانوا يخرجون كل يوم عشرة
آلاف مقاتل صفوفاً ثم يقولون محمد يغزونا ؟ هيهات ! هيهات ! وكان فيهم ألف
دارع .
4- حركة الجيش إلى خيبر :
حرَّك النبي صلى الله عليه وسلم قواته إلى خيبر ، واستعان بأدلاء لمعرفة
الطرق . وأراد أن يدخل خيبر من الشمال من جهة الشام ، حتى يمنع حركتهم
وتسربهم إلى الجهة الشمالية ، ويُحكم الحصار عليهم ، وحتى يمنع من نصرة
بني غطفان لهم . وكان عليه الصلاة والسلام يدعو وهو مشرف على خيبر :
"اللهم رب السموات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما
أضللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها
وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها" .
وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم حركة تمويه عسكرية ، حيث تحرك بأصحابه
إلى منطقة (الرجيع) ليوهم غطفان أنه متوجه ضدَّهم ، فيخافوا ، ويفزعوا ،
فلما يتركهم إلى يهود خيبر ، لا يستطيعون إعانتهم ، لأنه أصبح حاجزاً
بينهم ، وكان الذي يهمهم الآن أن يسلموا من غزو النبي صلى الله عليه وسلم
. وبهذا فوّت النبي صلى الله عليه وسلم الفرصة على الفريقين المتحالفين ،
غطفان ويهود خيبر ، من الاجتماع على حربه ، والدفاع عن خيبر .
ثم توجَّه إلى خيبر ، وبعث دورية لغطفان تستعرض نفسها وتوهمها بالإغارة
عليها ، فرجعت بعض قوات غطفان وكانت في طريقها إلى خيبر لمناصرة اليهود
فيها . وبهذا انفرد جيش المسلمين بيهود خيبر وحدهم . خاف بعض اليهود من أن
يتكرر حصارهم ، فإن الحصارات السابقة لهم في المدينة كانت شؤماً عليهم ،
فاقترح بعضهم الخروج لمقابلة جيش المسلمين خارج خيبر ، ولكن الجبن اليهودي
تغلب عليهم ، ورأوا أن بقاءهم في الحصون أقوى لهم وأمنع وكما وصفهم الله
تعالى بقوله (لا يقاتلوكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر) .
5- حصار خيبر :
وصلت قوات المسلمين ليلاً ، فما أن أصبح الصباح حتى وجد اليهود أنفسهم
محاصرين ، فقالوا محمد والخميس (أي الجيش) وبدأ هجوم المسلمين شديداً منذ
أول أيام الحصار لتوهين معنويات اليهود ، وزرع الرعب في قلوبهم ، وقد جرح
منهم في اليوم الأول خمسون جريحاً، وفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أول
حصونهم ، حصن ناعم . ثم حصن ابن أبي الحقيق، وسبى منهم النبي سبياً كانت
منهم صفية بنت حيي بن أخطب ، فأسلمت فأعتقها رسول الله وتزوجها . وبدأت
الحصون تتهاوى حصناً حصنا ، كان آخرها قد سقط وقتل فيه مرحب اليهودي ،
وكان مفاخر بنفسه ويبارز وينشد فيقول :
قد علمت خيبر أني مرحبُ شاكي السلاح بطل مُجربُ
فانطلق إليه محمد بن مسلمة فقتله ، ثم قتل الزبير أخا مرحب واسمه ياسر .
ولما أيقن اليهود بأن لا طاقة لهم على محمد وجيشه ، طلبوا الاستسلام
والصلح .
6- صلح خيبر :
وافق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يعقد صلحاً مع اليهود بالشروط
التالية :-
أولا : أن يحق المسلمون دماء اليهود فلا يقتلوهم .
ثانياً : أن يدفع اليهود نصف ثمار خيبر سنوياً للمسلمين .
ثالثاً : أن يبقوا على أرضهم لخدمتها ولهم نصف ثمارها بدل تعبهم فيها
وزراعتهم لها .
رابعاً : أن للمسلمين الحق في طردهم منها متى شاءوا .
7- قسمة الغنائم :
قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة غنمها في القتال . وقد كان خرج
في الجيش نساء مسلمات يداوين الجرحى ، ويساعدن المسلمين ، فلما قسم
الغنائم جعل لهن نصيباً منها .
8- دروس وعبر :
*أ- اختار النبي صلى الله عليه وسلم الوقت المناسب لتصفية اليهود في خيبر
فكان خروجه بعد صلح الحديبية ، حيث هدأ من معركته في الجنوب ومع عدوه
الأول قريش .
*ب- أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن تكون أهداف جيشه خالصة لوجه الله ،
وحب الجهاد في سبيله ، ولم يقبل من يريدون الخروج للغنائم .
*ج- اليهود مغرورون بقواتهم ، ولكنهم جبناء لا يواجهون ولا يحاربون إلا في
داخل الحصون .
*د- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء في مثل القتال ، ليربط
القلوب بالله ، فتستمد منه النصر والعون .
*ه- إكرام المرأة في السبي ، وحين تسلم يمن عليها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيعتقها، ويكرمها فيتزوجها ، وهكذا تزوج بصفية بنت حيي بن أخطب .
ولما كانت نساؤه يعيِّرنها بأنها ابنة اليهودي يجبر النبي بخاطرها ويعلمها
كيف تجيبهن فتقول أنا عمي هارون وأخي موسى .
*و- الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل الصلح مع اليهود من موقف قوة للإسلام
وموقف ضعف من اليهود ، وبشروط فيها مصلحة للإسلام ، حتى انتهى هذا الصلح
بخروجهم نهائياً من الجزيرة العربية في عهد عمر بن الخطاب ، وتصديقاً لأمر
النبي صلى الله عليه وسلم لا يجتمع في جزيرة العرب دينان .
*ز- حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إعمار الأرض وزرعها من ذوي
الخبرة، ولو كانوا أعداء المسلمين ، ولكن في حالة صلح معهم .
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للمسلمين في معاملة المرأة
المسلمة ، فسمح للنساء أن يخرجن في غزواته وكان يقول لهن : على بركة الله
. وكان يقسم لهن أحياناً في الغنائم لمشاركتهن في التموين والسقاية وتضميد
الجراح ، وهذه كلها خدمات ميدانية لا تقل أهمية عن القتال.